تقريبا جميع طالبي اللجوء في فنلندا يرفضون التطرف
كمحامي اختصاصي في مجال قانون الهجرة، وبعد التعامل لسنوات مع العديد من قضايا الأشخاص القادمين إلى فنلندا بحثًا عن اللجوء ، لعلّني مُخوّل للحديث غن هذا الموضوع و شرح بعض الاختلالات التي اكتشفتها في عملية دراسة طلبات اللجوء.
هذه المشاكل تؤثر ، في المقام الأول ، على الطريقة التي تدير بها السلطات الفنلندية حل هذه القضايا، ممّا يؤدي عادة إلى خلق حالات سوء فهم، الأمر الذي من شأنه زيادة حالة العجز والإحباط واليأس لدى الأشخاص المنتمين إلى هذه المجموعة المستضعفة.
الأمر الأول الذي أود أن أسترعي الانتباه إليه هو أنه، وفقًا لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية المتعلقة بالحماية الدولية ، و من أجل فهم وضع كل طالب لجوء ، من المهم جدًا أن يتوفر لدى صانعي القرار معلومات قطرية (تقييم الأوضاع الأمنية و الإجتماعية في بلدان طالبي اللجوء الأصلية) جيدة و حديثة حول البلد الأصلي لمقدم الطلب.
ومع ذلك ، ينص الإجراء في فنلندا على أنه خلال المقابلات التي تُجرى مع طالبي اللجوء، لا يتم سؤال طالبي اللجوء إلا عن ظروفهم الخاصة ، ولا تكاد تتطرّق الأسئلة إلى الوضع في بلدانهم. هذا لأن إدارة الهجرة الفنلندية (Migri) تدعي عادة أنها تمتلك جميع المعلومات المرتبطة بالموضوع.
والحقيقة هي أن المعلومات القُطرية التي استخدمها إدارة الهجرة الفنلندية غالبا ما تتّصف بالعمومية و عدم مواكبتها للأوضاع الراهنة، بل كما أنها موافقة لتوجهات سياسية معيّنة، ما يختلف كثيرا عن الوضع في باقي دول الاتحاد الأوروبي. لذلك ، أعتقد أنه ينبغي استخدام المعلومات المتعلقة بحالات النزاع المسلح والعنف بحذر مناسب.
لا يوجد أي توضيح في أي مكان عن كيفية تحديد و صياغة دائرة الهجرة لمعلوماتها القُطرية العامة و إقرارها، أو هل يتم الإصغاء للمصادر المحلية (السكان المحليون لهذه البلدان) على الإطلاق، والنتيجة هي عدد هائل من حالات سوء الفهم والتعميمات والقوالب النمطية في أثناء دراسة الطلبات في جميع مراحل عملية تقييم طلب اللجوء، والتي نادراً ما يتم فيها تقييم ودراسة مدى تعرُّضية طالبي اللجوء (القابلية للتأثّر بسرعة Vulnerability).
لا توجد معلومات قطرية مشتركة داخل الاتحاد الأوروبي أو أي قواعد مشتركة حول كيفية النظر في مدى حاجة مقدم الطلب للحصول على اللجوء (أو تصريح الإقامة) ، على الرغم من أنه من وجهة نظر مقدم الطلب فإن الاتحاد الأوروبي هو منطقة جغرافية واحدة للجوء أو الإقامة ، مما يؤدي في بعض الحالات إلى نوع من التصيُّد أو ما يُعرف ب "المفاضلة بين المحاكم" ، أي البحث عن المحفل الأنسب. على سبيل المثال ، أدت نفس الوقائع لنفس القضية إلى قرارات متناقضة بخصوص منح اللجوء - في إحدى القضايا التي استلمتها- حيث تم رفضها في فنلندا ولكنها قُبِلت في ألمانيا. من الواضح أن هناك مجالًا لتطوير و استحداث القواعد والممارسات على مستوى الاتحاد الأوروبي أيضًا.
يضاف إلى ذلك أيضا الحوادث المتعلقة بعدم التفاهم بين المتقدمين بطلب اللجوء و بين المترجمين. على سبيل المثال، إحدى القضايا التي استلمتها بعد رفض إدارة الهجرة منح اللجوء بحجّة أنه نظراً لأن والد مقدم الطلب كان يعمل كمنظف لمسجد ، فإنه لا يوجد سبب مقنع لخوف مقدم الطلب هذا من الاضطهاد. لكن الواقع مختلفًا جدًا: حيث أن والد مقدم الطلب كان إمامًا للمسج(و يقوم بالتنظيف أحيانا)، كما أنه تم إعدامه علنًا، وكان هذا هو السبب وراء هروب ابنه من بلده و بحثه عن اللجوء في أوروبا. نعم ، لقد كان سوء تفاهم ، ولكن من النوع الذي يمكن أن يدمر حياة شخص ما.
عبء الإثبات
الواقع أنه في حين ينبغي أن يقع عبء الإثبات( أو عبء تقديم الأدلة) لدعم طلب اللجوء على الشخص الذي قدم الطلب ، فإن الالتزام بتجميع وتحليل جميع الوقائع ذات الصلة بالقضية والأدلة الداعمة، يتم تقاسمها بين مقدم الطلب وصانع القرار في فنلندا
هذا التقسيم لعبء الإثبات لا يتم تفسيره بشكل صحيح لطالبي اللجوء خلال المقابلات التي تُجرى معهم، حيث توجد العديد من الحالات التي يتم فيها رفض طلبات مقدمي طلب اللجوء نظرا لأن المعلومات التي جمعها الموظفون العموميون خلال العملية عادة ما تكون قديمة أو تشوبها عيوب. هذه المشاكل تزداد سوءًا بسبب حقيقة أن مقدمي الطلبات لا يحصلون عادةً على التمثيل القانوني أو المساعدة القانونية أثناء المقابلات. في العديد من الحالات ، الأشخاص المعنيين هم أشخاص ذوو مستوى تعليمي ضعيف كما أنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بإدراك و شرح العوامل أو الشروط التي من شأنها أن تجعلهم مؤهلين للحصول على الحماية الدولية.
هناك أيضا مشاكل أخرى تنشأ عن مدة دراسة الطلبات. في حين أن مدة دراسة الطلبات قد تستغرق سنتين أو أكثر لدى مصالح إدارة الهجرة ، فقد تم تخفيض السقف الزمني للاستئناف لدى المحكمة الإدارية إلى ثلاثة أسابيع وإلى أسبوعين لدى المحكمة العليا. وكلما كان الوقت أقصر ، كلما كان التفاعل أكثر صعوبة، خاصة حين يتعلّق الأمر بأشخاص يفتقرون إلى الموارد وعادة ما يكونون في حالة صدمة بعد تلقي قرار سلبي.
التحيزات
بعض الناس ينجرفون إلى القوالب النمطية والأفكار المسبقة عندما يتعلق الأمر بمعالجة المشاكل التي تواجه اللاجئين. ومع ذلك ، فالحاجة إلى النقاش القانوني حول كيفية إجراء العملية (عملية تقييم طلبات اللجوء) وحل الاختلالات لا تزال قائمة، لأننا نتحدث عن العدالة وحقوق الإنسان.
يجب أن يكون هناك أيضًا مناقشة بناءة ومفتوحة حول كيفية تعزيز عملية اللجوء و ذلك لتجنب أي مواجهة سلبية بين الفنلنديين وطالبي اللجوء. إذا كانت العملية عادلة ، فإن النتيجة - إذا كانت سلبية - ستكون أسهل قبولاً.
لقد عاشت فنلندا سنوات عديدة منغلقة على نفسها، والهجرة تُعتبر ظاهرة حديثة نسبياً ، وبالتالي فإنه من المفهوم أن بعض الفنلنديين قد يشعرون بالخوف من هذه الظاهرة الجديدة. ولكن مرة أخرى ، من المهم التخلص من الأفكار المسبقة ورؤية أنه خلف كل طالب لجوء ، هناك شخص يريد فقط العيش في سلام مثلنا.
تبقى الحقيقة أن جُلّ طالبي اللجوء في فنلندا يرفضون التطرف والإرهاب ، كيف لا و هو السبب الذي فرّوا منه أصلا! وحتى إن تم العثور على تفاحة فاسدة في سلة فهذا لا يعني أن الكل فاسد.
الأستاذ يوكّا أوتِيو Jukka Autio، محامي فنلندي و خبير في قضايا الهجرة و اللجوء